العدد المثالي لموظفي إدارات التدقيق الداخلي
بقلم: علاء عبدالعزيز أبونبعه
MACC, CIA, CPA, CRMA, CICP
خبير في التدقيق الداخلي والرقابة والحوكمة
دولة الكويت
تصلني بين الحين والآخر استفسارات من أعضاء مجالس إدارة ولجان تدقيق وإدارات تنفيذية ومن زملاء في يعملون التدقيق الداخلي أو في استشارات الموارد البشرية حول العدد المثالي لموظفي إدارة التدقيق الداخلي. حسب علمي لا يوجد دراسة عربية واحدة تطرقت لهذا الموضوع، ولكن هناك دراسات إحصائية دورية لأعداد المدققين بقطاع معين تصدرها اتحادات مهنية متخصصة في التدقيق الداخلي، مثلا اتحاد مدققي الجامعات (Association of Collage and University Auditors - ACUA) واتحاد المدققين الداخليين لقطاع الرعاية الصحية (The Association of Healthcare Internal Auditors) في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتأكيد فإن وجود تجمعات مهنية متخصصة في التدقيق الداخلي لقطاع معين وقيامها بدراسة ذلك القطاع من جوانب مهنية مختلفة سينعكس إيجاباً على ممارسات التدقيق الداخلي في ذلك القطاع.
سأوضح في مقالي هذا أبرز الأمور التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لاتخاذ قرار بخصوص عدد موظفي إدارة التدقيق الداخلي.
العربة تتبع الحصان ولكن
الأصل هو أن تنبع الحاجة لخدمات نشاط التدقيق الداخلي التأكيدية (التطمينية كما يسميها إخواننا في المغرب العربي) والاستشارية من أصحاب المصالح، ومن المتوقع من نشاط التدقيق الداخلي إضافة قيمة من خلال تلبية احتياجاتهم، ولكن تعقيدات العمل المؤسسي قد تجعل من الصعب إيجاد مقياس موضوعي لترجمة تلك احتياجات، وبالتأكيد فإن نجاح تقديم تلك الخدمات مرتبط بجدارة المدققين الداخليين (خبرتهم العملية ومعرفتهم العلمية ومهاراتهم) وبالأدوات والوسائل المتاحة لهم أكثر من عددهم، وبالرغم من ذلك فهناك عدد من العوامل المباشرة وغير المباشرة التي من الممكن – بحسب اعتقادي - أن تؤثر في قرار تحديد عدد موظفي إدارة التدقيق الداخلي، أذكر منها:
1) مستوى تعقيد عمليات المؤسسة وتنوعها وتنوع منتجاتها/خدماتها، ومستوى نضج العمليات الإدارية فيها (التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة)، وسرعة استجابتها للتغيرات في بيئة عملها الداخلية والخارجية.
2) المرحلة التي فيها المؤسسة في دورة حياة المؤسسات والتي تشمل خمسة مراحل: مرحلة التأسيس أو الأنشاء، ومرحلة النمو، ومرحلة الاستقرار والنضج، ومرحلة التجديد والابتكار، ومرحلة الانحدار.
3) المستوى التنظيمي للقطاع الذي تعمل فيه المؤسسة (بنك مركزي أو هيئة سوق مالي إلخ).
4) مستوى نضج نظام الحوكمة المؤسسية في المؤسسة، والمتطلبات التنظيمية المفروضة عليها، ومستوى توقعات أصحاب المصالح (Stakeholders) من نشاط التدقيق الداخلي.
5) الهيكل التنظيمي للمؤسسة، ومستوى المركزية واللامركزية في توزيع السلطات والمسؤوليات فيها. بشكل عام يعتمد مستوى المركزية واللامركزية على التوزيع المكاني أو الجغرافي لعمليات المؤسسة، ومدى تركيز الوظائف في المؤسسة في إدارة واحدة أو أكثر.
6) مستوى نضج نشاط التدقيق الداخلي ومستوى سابق خبرة العاملين في أعمال المؤسسة. معهد المدققين الداخليين (IIA) حدد خمس مستويات لنضج نشاط التدقيق الداخلي: البدائي/الأولي (Initial)، والمتكرر (Repeatable)، والواضح/المعرفة (Defined)، والمدار (Managed)، والمعظم/المثالي (Optimized).
7) مستوى نضج وفاعلية عمليات إدارة المخاطر في المؤسسة، ومستوى المخاطر الخارجية والداخلية التي تتعرض لها، ومستوى شهية إدارة المؤسسة العليا للمخاطر.
8) مستوى نضج وفاعلية منظومة الرقابة الداخلية في المؤسسة، ومستوى فاعلية الأدوات التي تستخدمها المؤسسة لمنع وكشف الاحتيال الداخلي والخارجي. في رأيي الاستثمار في منظومة الرقابة الداخلية سيقلل من تكاليف الأنشطة الرقابية الداخلية (مثل نشاط التدقيق الداخلي، والامتثال، وإدارة المخاطر) والخارجية (مثل مراجعة الحسابات).
9) وجود إدارات رقابية داخلية أخرى في المؤسسة، ومستوى التنسيق بين الجهات الاستشارية والرقابية الخارجية والإدارات الرقابية الداخلية التي تقدم خدمات التأكيد والخدمات الاستشارية للمؤسسة بهدف ضمان التغطية اللازمة لأعمالهم وتلافي ازدواجية الجهود. عادة ما تختلف عملية التنسيق من مؤسسة إلى أخرى، ففي المؤسسات ذات الحجم الصغير قد يفتقر التنسيق إلى الرسمية، بينما في المؤسسات الكبيرة والخاضعة لقواعد تنظيمية صارمة، قد يتصف التنسيق بالرسمية والتعقيد.
10) مستوى نضج الأنظمة الإلكترونية المستخدمة في المؤسسة وتكاملها، ومستوى ذكاء الأعمال المبني على تحليل البيانات.
11) جدارات وعدد أعضاء لجنة التدقيق، ومستوى فاعلية اللجنة، وعدد اجتماعاتها السنوية.
12) البدائل المتاحة للإدارة العليا في المؤسسة لتوفير الموارد البشرية لنشاط التدقيق الداخلي كالإسناد الخارجي بالكامل (Full Outsourcing) أو الإسناد الخارجي الجزئي (Co-sourcing) أو الاعتماد الكامل على موظفين في المؤسسة (In-house). لكل بديل من هذه البدائل إيجابيات وسلبيات يجب تقييمها دوريا وبشكل موضوعي، فما كان مناسب في الماضي قد لا يكون مناسب للمؤسسة الآن، وما يناسب الآن قد لا مناسب في المستقبل.
13) مستوى التوثيق لجميع أنظمة المؤسسة وسياساتها واجراءاتها، وتدريب جميع العاملين عليها.
العوامل التي لا تؤثر جوهرياً على عدد موظفي إدارة التدقيق الداخلي
في نظري؛ من العوامل المباشرة وغير المباشرة التي من المتوقع ألا تؤثر تأثيراً جوهرياً قرار تحديد عدد موظفي إدارة التدقيق الداخلي:
1) حجم المؤسسة.
2) مستوى ربحية أو سلامة الوضع المالي للمؤسسة. قد يعتقد البعض أن التضحية بالأنشطة التأكيدية مناسب لتوفير التكاليف؛ وهذا خطأ شائع لأن هذه الأنشطة قد تقدم توصيات تزيد من كفاءة العمليات و/أو تقليل أو كشف الهدر غير المبرر.
3) عدم وجود لجنة تدقيق و/أو وجود لجان رقابية أخرى منبثقة من مجلس الإدارة كلجنة إدارة المخاطر ولجنة الامتثال.
4) عدد موظفي المؤسسة، ومتوسط نسبة عدد موظفي إدارات التدقيق الداخلي إلى مجمل عدد موظفي المؤسسات في القطاع الذي تعمل فيه المؤسسة.
معيار التدقيق الداخلي رقم 2030 أشار إلى أن من مسؤوليات الرئيس التنفيذي للتدقيق الداخلي التأكد من أن موارد نشاط التدقيق الداخلي "مناسبة" أي أن لديه مزيج الجدارات الضرورية لإنجاز خطة التدقيق الداخلي المعتمدة، و "كافية" من ناحية مقدار الموارد الضرورية التي يحتاجها لإنجاز الخطة، ويتم توظيفها توظيفا "فاعلاً" أي يتم استخدامها بطريقة مثلى لتنفيذ الخطة.
وفي الختام أوصي المُقدمين على اختيار موضوع بحث علمي في التدقيق الداخلي أو الحوكمة المؤسسية للحصول على شهادة عليا أو للحصول على ترقية علمية دراسة هذا الموضوع، وأوصي كذلك الجهات الرقابية والاشرافية كالبنوك المركزية وهيئات أسواق المال بعدم التركيز فقط على جدارات الرئيس التنفيذي للتدقيق الداخلي وأعضاء لجان التدقيق فقط كما تفعل معظمها وعلى مراجعة عقود الاسناد الخارجي لأعمال التدقيق الداخلي (إن وجدت) كما تفعل بعضها، وإنما التركيز على جدارات باقي أعضاء فريق التدقيق الداخلي وعلى ملائمة عددهم للمؤسسات التي يراقبونها و/أو يشرفون عليها.